لماذا سأنتخب فريد زهران و لن انتخب السيسى؟
تعد الاحداث الاقليمية الاخيرة سواء فى غزة او قبلها السودان و ليبيا دافعا لدى البعض لتوجيه دفة التصويت فى انتخابات الرئاسة باتجاه السيسى باعتباره قائد عسكرى و هو ما يناسب الخطر الرئيسى من وجه نظرهم و هو الاضطرابات و الحروب.
لكن فى الحقيقة و ان كانت القراءة التاريخية تظهر ان هذه الاضطرابات و ان كانت متصاعدة فى السنوات الاخيرة الا انها ليست جديدة و فى جميع الاحوال توجد ثقة كبيرة سواء من الشعب المصرى او الجهات الدولية المختلفة و تقدير لكفائة الجيش المصرى و قدرته على مواجهة مختلف التحديات.
لذلك فى الوقت الذى يعرف الجميع من الذى سيدافع عن مصر فى حالة الاضطرابات او اى تهديد للامن، يوجد خطر اخر يهدد ملايين المصريين و لا يوجد فى الحقيقة اجماع او اتفاق على من الجهة القادرة على مواجهة هذا الخطر، و فى الحقيقة ان النظام السياسى الحالى بما فيه مؤسسة الجيش نفسها يتعرض لانتقاد من دوائر كثيرة فى الشعب المصرى حول قدرة هذا النظام السياسى على مواجهة هذا الخطر بل عن مسؤليته فى تناميه.
هذا الخطر الجاثم بدون خطة واضحة للمواجهة او جهة متصدية له هو خطر التعدى المستمر على جيب الطبقة الوسطى و مكتسباتها الاجتماعية و هذا الخطر الذى تواجه الطبقة الوسطى فى مصر لا يذكر بجوار معارك الحياة اليومية للطبقة الفقيرة التى سقطت بالفعل فى بئر الحرمان.
لكن السؤال هو ما مدى مسؤلية النظام السياسى الحالى على رأسه المرشح عبد الفتاح السيسى عن هذا الوضع؟
فى الحقيقه يتبع النظام السياسى المصرى منذ سنوات و ما قبل ثورة يناير اتجاه اقتصادي يعرف بالليبرالية الحديثة و هو اتجاه بدأ عالميا مع مارجريت تاتشر بانجلترا و رونالد ريجان بامريكا و تقوم فلسفة هذا الاتجاه الاقتصادى على دعم الطبقات الغنية و كبار المستثمرين بالمنح و المزايا على اساس تحقق مبدأ انسياب المزايا و انتقالها من هذه الطبقات الغنيه للطبقات التى تليها سواء الوسطى او الفقيرة و يتمثل ذلك فى توفير فرص عمل و بدخل جيد و منتجات ذات جودة عالية تشبع احتياجات المواطنين.
فى الحقيقه هذا التيار السياسى يلقى معارضه فى مجتمعاته الاصلية من تيار الليبرالية الاجتماعية او ما يعرف بالطريق الثالث و حلفائه من التيارات الاشتراكية الليبرالية التى وصلت للحكم فى بعض الدول الاوربية كاسبانيا و المانيا و حتى انجلترا امريكا .
و تقوم فلسفة الليبرالية الاجتماعية على دعم الطبقة الوسطى كاولية للسياسات الاقتصادية و يتمثل ذلك فى دعم قطاعات حيوية على راسها التعليم و الصحة و الغذاء و السكن و بناء شراكات مع نقابات العمال و تمكين تشكيلها بحرية مع مؤسسات المجتمع المدنى لتكون حصونا للطبقة الوسطى للدفاع عن مكتسباتها و ضمان توجيه الاستثمار و الانتاج لخدمة المواطنين فى الدولة بطبقاتهم الاقتصادية المختلفة.
بدون هذه السياسات لحماية الطبقة الوسطى تكون الدول معرضة للتحول لما يعرف فى الاقتصاد بجمهورية موز! و هو مصطلح يشير للدولة التى تتحول لوحدة انتاج او مزرعة تخدم سوقا خارجية و لا تخدم شعبها الا بما يحفظ استمرار المزرعة و خدمتها للاسواق الخارجية.
و فى الحقيقة مصر تتجه لهذا الوضع مع تنامى دور العامل لدى المواطن المصرى و تراجع دور المستهلك مع ضعف النقابات و مؤسسات المجتمع المدنى و اقتصارها على دور الرعاية و هو ما يستخدم كرشوة سياسية غالبا حيث تستحوز الطبقات الغنية على جميع ادوات السلطة و الرقابة الشعبية لان مجالس النواب و الشيوخ لا يستطيع ان يستحوذ على القرار بهم وفقا لقانون الانتخابات الحالى الا الطبقات الغنية القادرة على حشد الاصوات مقابل مكافئة على الانتخابات، و تشكل هذه الطبقات الغنية ايضا احزابا و مؤسسات مجتمع مدنى تجتزب بها بعض المغيبين او الطامعين فى الطبقة الوسطى لاستخدامهم فى حشد الفقراء خاصة لاكتساب شرعية اجتماعية و موافقة شعبية مغيبة على استمرار الوضع و استمرار تركيز السياسات الاقتصادية على تمكين الاغنياء المحتكرين للمزايا بدون ان تنساب للطبقات الاخرى.
نعود للانتخابات الرئاسية لنبحث ماذا يفعل السيسى فى هذا الوضع؟
السيسى يخلط بين خلفيته العسكرية و موقعه كرئيس جمهورية و هى الخلفيه و ان كانت مكنته من تولى الحكم الا ان الجيش ليس مؤسسة لصناعة القرار السياسى و بالتالى السياسات الحالية هى مسؤلية عبدالفتاح السيسى و حكومته و ليس لمؤسسة الجيش قرارات جوهرية غير فى ما يتعلق بسياسات الامن القومى اما باقى سياسات الدولة فعبد الفتاح السيسى و حكومته يتبعون سياسات الليبرالية الحديثة التى تسلم الدولة للاغنياء فى المقام الاول مع تنفيذ بعض المبادرات لاحتواء ازمات الطبقة الوسطى و الفقيرة على هيئة مسكنات لاستمرار الوضع.
ان سياسات حكومة السيسى الحالية تعمل على بناء البنية التحتيه المطلوبة للطبقات الغنية و المستثمرين كاولوية رئيسية و دعم كامل لتشجيع التصدير بما يدفع كثير من التجار لتصدير المحاصيل و الغاز و انتاج رئيسى للشعب المصرى يصدر لخدمة اسواق خارجية لتوفير الدولار لسد فوائد القروض التى حصلت عليها حكومة الرئيس الحالى ما يؤدى لنقص المعروض من هذه المحاصيل و الغاز و غيره من المنتجات فى السوق المصرى و يرفع الاسعار بطريقه مرهقة للطبقى الوسطى و تطحن الطبقى الفقيرة ما يجعل الدولة تتحول لجمهورية موز، مزرعة تخدم السوق الخارجى و العائد يوجه لخدمة الطبقة الغنية ، و التى حصلت على الخدمات مسبقا بالقروض و يترك فاتورة سداد القروض و فوائدها للطبقات المتوسطة و الفقيرة لكن عندما نبحث عن سياسات تمكين الطبقة الوسطى نجد التحايل على معدلات الانفاق على التعليم و الصحة التى اقرها الدستور، و نجد نقابات تحت الحراسة و نقابات يحدث فى انتخاباتها تدخلات سافره ، و مجالس محلية غير موجودة الا فى نصوص الدستور و غائبة منذ 13 عام فى الواقع حتى لا توجد اى رقابة شعبية على تحركات الحكومة، و نجد اعلام يحتكره رجال الصناعة يوجه لخدمه الوضع الحالى.
فى الواقع الشعب المصرى يحتاج رفع مستوى الوعى الطبقى و العمل المنظم لخدمة مصالحه السياسية، و هذا العمل يتمثل فى استخدام تطبيقات التواصل الاجتماعى كاعلام بديل، و التفاعل مع الاحزاب المعارضة التى هى جزء من الشعب و قامت بخطوة متقدمة فى العمل المنظم و تعتبر الانتخابات الرئاسية احد اشكال هذا التفاعل.
فالانتخابات تعبير عن ارادة و ليست مراهنة على من سيفوز ، ففى ظل الوعى الغائب حاليا من السهل المراهنة على اعادة انتخابا الرئيس الحالى لدورة ثالثة ، اما فى ضوء الوعى بالمصالح الطبقية للشعب المصرى فالتغيير هو الاختيار الرئيسى.
التغيير فى حد ذاتة قرار و اختيار برفض السياسات الحالية و المشاركة للدفع لهذا التغيير هو عمل ايجابى منظم لا ينتهى بالتصويت بل يبدا رحلة عمل تمر بمتابعة منصات تواصل الاحزاب الوطنية المعارضة و التفاعل معها و الانضمام لها و حمل رايتها لتولى المسؤليات المختلفه و التفرقه بينها و بين الاحزاب المدارة من الحكومة او التى تتبع جهات خارجيه تسعى للاستفادة من هذه الاوضاع لخدمة اجندات خارجية.
عن نفسى اخترت فريد زهران نظرا لخطابة السياسى الذى اظهر وعيا بهذا التمييز الطبقى الذى يحدث فى مصر و لانتمائه للحزب المصرى الديمقراطى و الذى يتبنى مواقف فى صف العدالة الاجتماعية يلاحظها المتابع لمواقف هذا الحزب و لمواقف فريد زهران السابقة و عمله على ايجاد منصات اعلام بديلة و ايمانه بالعمل السياسى المنظم فى اطار وطنى دون استغلال الوضع لخدمة اجندات خارجية او تبنى مواقف عنترية لاثارة الراى العام بدون رؤية حقيقية.
و ايا كان الاختيار، فالتغيير هو الاختيار الاول و التغيير يبدا بالانتخابات و لا ينتهى بها.
https://2u.pw/JcA0N9L

تعليقات
إرسال تعليق